فصل: الْإِيمَانُ بِالْمَوْتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (نسخة منقحة)



.الْإِيمَانُ بِالْمَوْتِ:

وَيَدْخُلُ الْإِيمَانُ بِالْمَوْتِ وَمَا ** مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعِبَادِ حَتْمَا

(وَيَدْخُلُ) فِي الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ (الْإِيمَانُ بِالْمَوْتِ) الَّذِي هُوَ الْمُفْضِي بِالْعَبْدِ إِلَى مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ سَاعَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ بِخُصُوصِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: «إِنْ يَعِشْ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ، قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ».
وَالْإِيمَانُ بِالْمَوْتِ يَتَنَاوَلُ أُمُورًا:
مِنْهَا تَحَتُّمُهُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الْقَصَصِ: 88]، وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: 27]، وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آلِ عِمْرَانَ: 185]، وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزُّمَرِ: 30]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 34، 35]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 57].
قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السَّجْدَةِ: 11]، وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ-الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ- أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ».

.ومنها أِنَّ كُلًّا لَهُ أَجْلٌ مَحْدُودٌ وَأَمَدٌ مَمْدُودٌ يَنْتَهِي إِلَيْهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ وَلَا يُقَصِّرُ عَنْهُ:

وَمِنْهَا إِنَّ كُلًّا لَهُ أَجْلٌ مَحْدُودٌ وَأَمَدٌ مَمْدُودٌ يَنْتَهِي إِلَيْهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ وَلَا يُقَصِّرُ عَنْهُ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ، وَجَرَى بِهِ الْقَلَمُ بِأَمْرِهِ يَوْمَ خَلْقِهِ، ثُمَّ كَتَبَهُ الْمَلَكُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِأَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ تَخْلِيقِ النُّطْفَةِ فِي عَيْنِهِ، فِي أَيِّ مَكَانٍ يَكُونُ وَفِي أَيِّ زَمَانٍ فَلَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَلَا يُغَيَّرُ وَلَا يُبَدَّلُ عَمَّا سَبَقَ بِهِ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَجَرَى بِهِ قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ، وَأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ حُرِقَ أَوْ غَرِقَ أَوْ بِأَيِّ حَتْفٍ هَلَكَ بِأَجَلِهِ لَمْ يَسْتَأْخِرْ عَنْهُ وَلَمْ يَسْتَقْدِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ الَّذِي كَانَ فِيهِ حَتْفُهُ هُوَ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَقَضَاهُ عَلَيْهِ وَأَمْضَاهُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْهُ وَلَا مَحِيصَ عَنْهُ وَلَا مَفَرَّ لَهُ وَلَا مَهْرَبَ وَلَا فِكَاكَ وَلَا خَلَاصَ، وَأَنَّى وَكَيْفَ وَإِلَى أَيْنَ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} [آلِ عِمْرَانَ: 145]، الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154]، الآيات وَقَالَ تَعَالَى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النِّسَاءِ: 78]، وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الْأَنْعَامِ: 61]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الْأَعْرَافِ: 34]، فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَقَالَ تَعَالَى: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرَّعْدِ: 2]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [طه: 129]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرَّعْدِ: 8]، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الْجُمُعَةِ: 8]، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزُّمَرِ: 42]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الْأَنْعَامِ: 60]، وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ.
وَرَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ تَعَالَى لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَا يُعَجَّلُ شَيْءٌ مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهِ وَلَا يُؤَخِّرُ مِنْهَا يَوْمًا بَعْدَ حِلِّهِ، وَلَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ لَكَانَ خَيْرًا لَكِ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «قَدْ سَأَلَتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ» وَفِي أُخْرَى: «وَآثَارٍ مَبْلُوغَةٍ».
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فَاطِرٍ: 11]، يَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ قَضَيْتُ لَهُ بِطُولِ الْعُمْرِ وَالْحَيَاةِ إِلَّا وَهُوَ بَالِغٌ مَا قَدَّرْتُ لَهُ مِنَ الْعُمْرِ، وَقَدْ قَضَيْتُ ذَلِكَ لَهُ فَإِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي كُتِبَ لَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فَاطِرٍ: 11]، يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ، وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» فَإِنَّهُ يُفَسَّرُ بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّيَادَةَ فِي الْعُمْرِ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُؤَخِّرُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا، وَإِنَّمَا زِيَادَةُ الْعُمْرِ بِالذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ يَرْزُقُهَا الْعَبْدَ فَيَدْعُونَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَيَلْحَقُهُ دُعَاؤُهُمْ فِي قَبْرِهِ، فَذَلِكَ زِيَادَةُ الْعُمْرِ».
وَمِنْهَا الْإِيمَانُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْأَجَلَ الْمَحْتُومَ وَالْحَدَّ الْمَرْسُومَ لِانْتِهَاءِ كُلِّ عُمْرٍ إِلَيْهِ لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ وَلَا عِلْمَ لَنَا بِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَفَاتِحِ الْغَيْبِ الَّتِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهَا عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، فَلَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الْأَنْعَامِ: 59]، الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لُقْمَانَ: 34]، الْآيَةَ. وَتَقَدَّمَتِ الْأَحَادِيثُ فِي مَعْنَاهَا، وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْضَ رُوحِ عَبْدٍ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ فِيهَا-أَوْ قَالَ: بِهَا- حَاجَةً».

.وَمِنْهَا ذِكْرُ الْعَبْدِ الْمَوْتَ وَجَعْلُهُ عَلَى بَالِهِ:

وَمِنْهَا ذِكْرُ الْعَبْدِ الْمَوْتَ وَجَعْلُهُ عَلَى بَالِهِ كَمَا هُوَ الرَّدْمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آمَالِهِ، وَهُوَ الْمُفْضِي بِهِ إِلَى أَعْمَالِهِ وَإِلَى الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَإِلَى الْجَزَاءِ الْأَوْفَى مِنَ الْحُكْمِ الْعَدْلِ فِي شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ وَقَضَائِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ فَلَا يُعَاقِبُ أَحَدًا بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَلَا يَهْضِمُهُ ذَرَّةً مِنْ حُسْنِ أَعْمَالِهِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ» الْمَوْتَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ مِنْ صَحِيحِهِ: بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الْمُنْذِرِ الطُّفَاوِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ ثُمَّ قَالَ: بَابٌ فِي الْأَمَلِ وَطُولِهِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آلِ عِمْرَانَ: 185]، بِمُزَحْزِحِهِ: بِمُبَاعِدِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الْحِجْرِ: 3]، وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ. فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ.
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُنْذِرٍ عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا منه وخط خطوطا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجْلُهُ مُحِيطٌ بِهِ أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أمله، وهذه الخطوط الصِّغَارُ الْأَعْرَاضِ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا» حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطُوطًا فَقَالَ: «هَذَا الْأَمَلُ وَهَذَا أَجَلُهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ الْخَطُّ الْأَقْرَبُ».